الذاكرة لا تقتُل. تؤلم ألماً لا يطاق

الذاكرة لا تقتُل. تؤلم ألماً لا يطاق ..

أن تكون بعيدًا عن عالمهم وتقنع نفسك كل صباح أنك معهم وتعرف عنهم كما لو كنت تعيش وسط أنفاسهم تأكل معهم وتنام على صوتهم وتعيش مشاكلهم وتساعدهم في حلها بل تلومهم على أخطائهم المتكررة كل هذا عبر شاشة هاتفك الذكي وهواتفهم الأذكى، أن تكون مغتربًا في عالمك الذي تجتهد أن تظهر كل ما هو مبهج ومنتعش

لهم وللآخرين من حولك وتختبأ ليلًا ونهارًا مع تحدياتك وحروبك مع الدنيا التي لا تنتهي

ولن تنتهي إلا بصعود أخر أنفاسك. فمن جانبهم يبادلونك نفس الأفعال الحمقاء المحمودة " أخبريني يا أسحار هل أنتي بخير" تكتب لي بأفضل حال وأقرأها "أنا أحتاجك" وأستقبلها "أنا جميلة سمراء أنعم بالحياة وتنعم هي بي وتحقق لي ما أتمنى ولا توجعني قط"

أمي هل أنتى بخير؟ لماذا لا تردين على هاتفك منذ أيام أنا أعتذرت عن علو صوتي وغضبي أخر مكالمة فضلا ردي على هاتفك لم تجب وتتعنت وأتفاجئ بالسبب بعد غياب

ثلاث أيام!

وفاة جارتنا الكبيرة الجميلة رأيتها 11-2015 نزلت ثلاث ليال وجلست معاها دقائق تحضن في وتدعو لي بأجمل الدعاوي وأكثرها دقة كما لو كانت تعرف عني كل شئ

كنت على سفر وأجهز لخطبتي ولم أخبرها بهذا وجدتها تدعو لي " يارب يا إسراء يطلع ابن حلال ويهنيكي بقدر طيبتك ومرعايتك لأهلك" بكيت في حضنها دون دموع وتركتها

وذهبت مع صغيرتي إلى مكان ما -نتمشى شوية في سيتي ستارز ونعمل شوبينج-

كتبت أختى منشور تنعيها وأخفته عني، أختفت أمي عني لأن حزنها يظهر على ملامح وجها -مفضوحة فشخ زي- فأرادت لي الراحة وأختفت مع حزنها عني وظهرت لي بتسجيل صوتي صغير منذ ساعات تسبب في قتلي ولكني لم أمت فأنا قُتلت مرات كثيرة من قبل أقوى من هذة المرة

قالت فيه بصوت يفتعل القوة " إسراء أنا بخير بس طنط أم محمود كنت ساعتها لسة شايفها امبارح وماتت بعدها بيوم فأنا زعلانة .. زعلانة أوي عليها يا إسراء هفوق وأكلمك"

سأفجائهم معكم الآن قسمًا بالله كنت أعلم أن أحد ما توفى يخص والدتي وعلمت

يوم وفاه العجوز الجميلة من حلم كنت أنا عروسة فيه ووالدتي مريضة أراها حزينة جدا

قلت لها في حلمي " ماما أنا عروسة أنتي ليه مش فرحانة" لم ترد على حينها أستيقظت يومها وأطمئنت عليها من صغيرتي وازداد طمأنيتي عندما رأيت صغيرتي أسحار في ستوري لها على انستغرام تفتعل الفرحة في مكان العمل بصورة سيلفي مع حاسوبها

أقسم بالله شعرت بأن أحدا أصابه مكروه ولكني لست والية من أولياء الله الصالحين

كي أْعلم سبب حزن أمي بالحلم فأنانيتي وطريقة عيشي الحالية - سحلتني ومخدتش بالي أوى من الحلم وتفسيره وقتها-

أن تكون بعيدا عن عالمهم فتصبح قريبًا ملمًا بكل ما يدور بهم حزنهم قبل فرحتهم

الغير مكتملة دائما بدونك هذا هو العذاب بعينه بأعلى مراحله وتتقبل هذا العذاب ببرود

فيصل لها فتقول لصغيرتي " هي إسراء ليه محزتنش على طنط أم محمود أنتي قلتلها؟"

ترد صغيرتي لا يا أمي هي سُلبت حق الحزن وأصبحت باردة وبقدر هذا البرود

تحترق داخليا فتظهر لنا دائما بأفضل حُله وأجمل ضحكة في أعيننا

صغيرتي أسحار أحسنتي الوصف فأنا أصبحت موهبة وأستحق بجدارة أن أكون خريجة جامعتي بكالريوس أداب قسم دراما ونقد ومسرحي دفعة 2011 منذ اللحظة الأولى الذي نفاني فيها موطني وجعلني بهجة بنات الأندر إيدج ومودل لبنات سني وأصبحت أمام نفسي "مسخًا" يحارب الدنيا بضحكات عالية أحيانا تكون صادقة

وكثيرا أصدق هروبا من صرخة حقيقية أكتمها وأترجمها على الورق وأحتفظ بها لي وحدي أو ربما أحتفظ بيها لأحفادي رغم رغبتي الشديدة في الموت قبل عامي الـ 30

منذ 5 سنوات ..

رحم الله مواتنا وموتاكم وجمعنا في الجنة وتقبلنا الله رغم سوأتنا وقلة صبرنا وهواننا على أنفسنا .. يارب